على فونيه
كان يعرف أنهم أثرياء.. رأى السيارات التى تقف هناك ورأى القوم الذين يدخلون ويخرجون..
لم يكن لصاً.. كان يقف عند الحدود الدولية بين مملكة المتسولين وجمهورية اللصوص، وحتى اللحظة يمكن اعتبار قدميه ما زالتا في مملكة المتسولين.. أحياناً يسرق أشياء تافهه مثل رغيف خبز، أو كيس ملئ بالخضر تركته ربة بيت جوارها على الإفريز إلى أن تستوقف سيارة أجرة..
لكنه لم يعتبر نفسه لصاً قط.. أنه جائع على الدوام.. يشعر ببرد على الدوام.. لو كان المطلوب هو أن يموت جوعاً فهو يعتذر بشدة عن هذا الشرف..
هكذا كان على فونية.. اسم غريب حقاً.. لكنك في سن الستين لا تستطيع تذكر اسمك القديم أبداً.. طيلة عمره يدعى فونية والسبب هو أنه قضي فترة طويلة من عمره لا يعرف ولا يجيد شيئاً سوى تصليح مواقد الكيروسين (بوابير الجاز بالعامية)..
فجأة كف الناس عن استعمال هذا الاختراع الساحر.. وبالتالى كف عن كسب المال.. صار الجوع يلازمه ليل نهار بعد ما أغلق المحل متسخ الجدران، وراح يهيم على وجهه.. زوجته طردته.. هكذا لم يعد يذكر أين كان يسكن ولا عدد أطفاله..
لم يكن فونيه يملك أى نوع من الأراء في الحياة.. لم يكن يملك أى نوع من الحقد الطبقي أو السخط.. لقد صار يعتبر الرأى نوعاً من الترف..
وكل ما يعرفه هو أنه جائع على الدوام.. بردان على الدوام.. وقد تحولت حياته إلى بحث طويل عن الطعام والمأوى، فلابد أن (كارل ماركس) كان سيرقص طرباً لو أسعده الحظ بلقاء الأخ على فونية..
في هذه السن من حق الانسان بعض الراحة وأن يعنى به أحد، لكن على فونية كف عن الرثاء لنفسه منذ زمن بعيد..
الجوع.. فقط الجوع.. حتى لم يعد يذكر إن كان هذا الألم له سبب أم أنه طريقة حياة..
أحمد خالد توفيق
أسطورة نادى الغيلان
0 Comments:
Post a Comment
<< Home